عندما أعلنت غوغل العام الماضي عن نظارتها الذكية والتي حملت في ذلك الوقت إسم Project Glass قبل أن يتحول إسمها رسميًا إلى Google Glass، فتحت بذلك بابًا جديدًا من أبواب الاختراعات التي نراها في أفلام الخيال العلمي والتي تحولت إلى حقيقة فيما بعد. في الحقيقة وعندما أعلنت الشركة عن نظارتها في أبريل الماضي اعتقد البعض بأنها كذبة أبريل متأخرة واعتقد البعض الآخر بأنها مجرد “صرعة” غير عملية، بينما رأى آخرون بأنها ابتكار لا يقل أهميةً عن اختراع الكمبيوتر أو الانترنت. بغض النظر عن الآراء المختلفة تبقى الحقيقة بأننا أمام تحفة علمية متطورة تعتمد على دمج عدد من العلوم والابتكارات في جهاز واحد.
خيال علمي ..؟؟
هناك مقولة -نسيت من قائلها للأسف- تقول بأن جميع الاختراعات التي نستمتع بها اليوم بدأت كأفكار طرحها كتّاب الخيال العلمي وقرأناها في روايات قديمة وشاهدناها لاحقًا في الأفلام. تخيل أن الغواصة التي تهبط لاستكشاف أعماق البحار أو فكرة الصعود إلى القمر كانا في يوم من الأيام ضربًا من الخيال العلمي في روايات الكاتب الفرنسي “جول فيرن” الذي توفي في العام 1905. وكان الناس في ذلك الوقت يقرأون هذه الروايات دون أن يتصوروا بأنها ستصبح حقيقة في يوم من الأيام.
الكمبيوتر القابل للتخاطب صوتيًا مع البشر شاهده الناس في مسلسل Star Trek منذ العام 1966 واعتقدوه ضربًا من المستحيل قبل أن يصبح هذا الأمر حقيقةً ملموسة في أوامر غوغل الصوتية ضمن نظام أندرويد وفي تطبيقات المساعد الصوتي مثل Siri في أجهزة آبل. كذلك الأمر عندما شاهدنا الجزء الأول من فيلم The Terminator من إنتاج العام 1984 حيث كان Arnold Schwarzenegger قادرًا على تمييز الأشياء والتعرف عليها بمجر النظر إليها بواسطة عينه الآلية التي تُظهر له طبقة من المعلومات فوق الأشياء التي ينظر إليها، اعتقدنا حينها كذلك أن هذا خيالًا لن تصل إليه البشرية -ونحن على قيد الحياة على الأقل-، لكن Google Glass هي أولى خطواتنا في هذا الاتجاه.
سنأخذكم الآن في جولة نتحدث فيها عن نظارة غوغل، والفكرة منها، وماهي مكوناتها وكيف تعمل وماهي المرحلة التي وصلت إليها من حيث التطوير، ومتى سيمكن للمستخدم العادي الحصول عليها.
“الكمبيوتر” في كل مكان
قبل أن نتحدث عن النظارة بحد ذاتها دعنا نبدأ بإعطاء خلفية حول الفكرة من مثل هذا الاختراع. منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من هذا القرن أو أكثر قليلًا كنا نعتقد بأن الكمبيوتر أو الحاسب الشخصي هو ذلك الجهاز الذي يختصر مفهوم الحوسبة بشكل عام ضمن قطعة واحدة أو عدة قطع هي عبارة عن شاشة ولوحة مفاتيح وأجزاء عتادية أخرى يتألف منها الجهاز. إلا أن بعض علماء الكمبيوتر كانوا يقولون بأن “الكمبيوتر” سيصبح مستقبلًا في كل مكان، وضمن “كل شيء”. وهي عبارة كانت تبدو غامضة لمن يقرأها في ذلك الحين، كيف سيصبح هذا الجهاز الضخم مُدمجًا وموجودًا في “كل شيء” محيط بنا؟ كيف يمكن للحوسبة أن تخرج من نطاق هذه العلبة وتنتشر في كل مكان؟
نظارة غوغل هي مجرد ابتكار واحد ضمن عدة ابتكارات أخرى ومختلفة من حيث الفكرة بدأنا نشاهدها اليوم تسعى إلى تحرير مفهوم الحوسبة من مفهومها الضيق إلى مفهومها الواسع الموجود في كل ما يحيط بنا وغير المحصور في جهاز واحد. نظارة غوغل تنتمي إلى فئة ما يُعرف بالتكنولوجيا القابلة للارتداء Wearable Technology، ومنها تأتي النظارات الذكية والساعات الذكية وحتى الأحذية الذكية.
الواقع المُعزز Augmented Reality
إن التقنية الأبرز التي تعمل بها نظارة غوغل هي تقنية الواقع المُعزز Augmented Reality (الواقع المُضاف أو الواقع المُحسن بحسب الترجمات المختلفة للمصطلح). بغض النظر عن الترجمة فالواقع المُعزز هي تقنية حديثة تقوم بعمل نوع من الربط ما بين الواقع الحقيقي (الأجسام الملموسة المحيطة بنا) وبين عالم الحوسبة عن طريق إظهار طبقة افتراضية من المعلومات المفيدة فوق الجسم المطلوب. هذا المفهوم ليس بالجديد حيث تم طرحه ضمن تطبيقات متعددة للهواتف الذكية، حيث تستطيع توجيه كاميرا الهاتف إلى الشيء المُراد معرفة المزيد من المعلومات عنه (مبنى، شارع، موقع أثري .. الخ) كي تظهر طبقة المعلومات على الشاشة.
لكن توجيه الهاتف الذكي إلى كل نقطة تريد التعرف إليها قد لا يكون الطريقة الأمثل، لهذا تسمح لك نظارة غوغل بمجرد النظر أمامك وستظهر المعلومات بشكل فوري. سواء كنت تريد معرفة المزيد عن هذا الموقع الأثري أو ذاك، أو أسماء الشركات الموجودة في ذلك المبنى، أو معرفة الطريق الصحيح للمكان الذي ترغب بالتوجه إليه بالإضافة إلى ميزات أخرى سنتحدث عنها بعد قليل.
مرة أخرى … ما هي نظارة غوغل؟ (أو: عبقرية الهندسة!)
نظارة غوغل هي عبارة عن نظارة يمكن ارتداؤها كأي نظارة عادية لكنها لا تمتلك عدسات (المزيد عن هذا لاحقًا)، تحتوي بداخلها من الأجزاء ما يجعلها أشبه بجهاز كمبيوتر متنقل (معالج وذاكرة واتصال لاسلكي، وغير ذلك) تعتمد على تقنية الواقع المُعزز لإظهار المعلومات في الزاوية اليمنى العليا لعين المستخدم. وتعتمد على مجموعة من التقنيات الأخرى التي طورتها غوغل منذ تأسيسها وحتى الآن مثل طلب المعلومة والحصول عليها بشكل فوري وتقنية التعرف إلى الصور التي طرحتها غوغل سابقًا في تطبيق Google Goggles، والأوامر الصوتية، وخرائط غوغل، وغير ذلك من التقنيات التي تعمل جنبًا إلى جنب وبشكل مدروس لتقديم التجربة المطلوبة. ورغم أن العديد من الشركات تعمل حاليًا على إنتاج منافس لهذه النظارات إلا أنه ليس من السهل منافسة غوغل في هذه النظارة وذلك لأنها تعتمد على تراكم من التقنيات العبقرية التي طورتها غوغل خلال السنوات السابقة. وبالتالي فهي ليست مجرد “نظارة”. فالنظارة بحد ذاتها وبناءها عتاديًا هو البداية فقط. في الحقيقة فإن ما يحقق الفائدة الفعلية من هذه النظارة هي خوارزميات غوغل في البحث وأرشفة المعلومات وتقنياتها الأخرى التي جعلت غوغل هي الأفضل في هذا المجال. هناك علوم كاملة من الرياضيات وتقنيات الويب وتقنيات الحوسبة ومن مخدّمات غوغل الجبارة القادرة على معالجة مليارات الطلبات في الثانية. وبالتالي فالنظارة هي الواجهة فقط التي تقدم كل هذه التقنيات مجتمعة لتقديم المعلومات المناسبة في المكان والزمان المناسبين.
تتألف نظارة غوغل من إطار بلاستيكي خفيف يمكن ارتداؤه بشكل مستقل، كما يمكن تثبيته فوق النظارات التقليدية كالنظارات الشمسية. حاليًا لا يوجد دعم للنظارات الطبية إلا أن غوغل وعدت بالعمل على ذلك. يحتوي الإطار على البطارية والمعالج وعلى مايكروفون لالتقاط الصوت وعلى كاميرا لالتقاط الصور الثابتة والفيديو، وعلى شاشة عرض هي عبارة عن موشور يقوم بإسقاط الصورة على عين المستخدم. ولنقل الصوت إلى المستخدم لا تحتوي النظارة على مكبر للصوت بل على تقنية تقوم بإرسال اهتزازات الصوت إلى الجمجمة مباشرةً عبر العظام بحيث يكون الصوت مسموعًا للمستخدم فقط ودون الحاجة لأية سماعات. ورغم امتلاك النظارة الأساسيات المطلوبة، إلا أنها تتطلب الربط مع الهاتف الذكي لاسلكيًا كي تحصل على الخدمات الإضافية غير الموجودة ضمنها.
يقوم الموشور بإسقاط الضوء الخارج من جهاز العرض الصغير الموجود في النظارة باتجاه عين المستخدم حيث يصل إلى الشبكية كي يتمكن المستخدم من مشاهدة طبقة المعلومات الافتراضية الظاهرة فوق المشهد الفعلي الذي ينظر إليه. في الصورة أدناه نرى مثالًا عن طبقة تُظهر للمستخدم آخر المعلومات حول رحلته القادمة أثناء وجوده في المطار. ما نراه في الخلفية هو المطار الفعلي حيث ينظر المستخدم، تعلوها بشكل شفاف الطبقة الافتراضية التي تعرض المعلومات فوق المشهد الحقيقي.
وكي لا تتم إعاقة النظر أثناء عرض المعلومات، لا تظهر الطبقة الافتراضية أمام العين مباشرةً بل يحتاج المستخدم إلى تحريك عينه والنظر في الزاوية اليمنى العليا لمشاهدة الطبقة، ثم يستطيع النظر إلى الأمام مرة أخرى وستختفي الطبقة من منظوره مما لا يسبب تشويشًا في الرؤية. وتقول غوغل بأن الصورة التي يتم إسقاطها تُكافىء من حيث الحجم مشاهدة شاشة عالية التحديد بقياس 25 إنش من بعد ثمانية أقدام.
التحكم
تقدم نظارة غوغل عدة وسائل للتحكم بها وإعطاء الأوامر، ويستطيع المستخدم اختيار الطريقة المناسبة والأسهل بالنسبة له بحسب الموقف المطلوب. حيث يمكن إعطاء الأوامر صوتيًا من خلال نطق عبارة OK Glass يليها الأمر المطلوب مثل Take a Picture لالتقاط صورة على سبيل المثال. بالإضافة إلى ذلك تحتوي من الجهة اليمنى على منطقة حساسة للمس يمكن استخدامها للتجول داخل القوائم والتحكم بها. كما أشار تقرير أخير إلى إمكانية التقاط الصور عبر الغمز بالعين. وقد تقوم غوغل بالتعديل على هذه الوسائل أو إضافة وسائل جديدة لدى طرح النظارة بنسختها النهائية في الأسواق.
ما الذي يمكن أن تفعله النظارة؟
يمكن لها أن تفعل الكثير، كما ذكرنا أعلاه يمكن من خلالها إظهار المعلومات حول الأشياء المحيطة بها، أو عرض الاتجاهات والخرائط، والتقاط الصور، ودردشة الفيديو، وإرسال الرسائل وقراءة البريد الإلكتروني والترجمة والبحث. الفيديو التالي يستعرض أبرز سيناريوهات الاستخدام الفعلي للنظارة:
Click here to view the embedded video.
التطبيقات
نظارة غوغل تعمل بنظام أندرويد. وعندما نقول أندرويد فهذا يعني التطبيقات كذلك. ستتيح النظارة للمطورين إمكانية تطوير تطبيقات مخصصة لها تفتح الآفاق واسعًا نحو توفير إمكانيات غير محدودة لها تتجاوز تلك الإمكانيات الأساسية التي تقدمها غوغل. بالطبع توجد شروط وقيود معينة لتطوير التطبيقات وفق صيغة محددة بحيث يتم عرض المعلومات المفيدة بشكل مختصر وغير مُزعج، ومن ضمن هذه الشروط بالطبع هو أن غوغل منعت المطورين من إدراج الإعلانات في تطبيقات النظارة!
وكانت الشركة قد عرضت قبل فترة عدة تطبيقات مطورة لها مثل تطبيق Gmail الذي يعرض الرسائل الواردة الجديدة بحيث تظهر الرسالة مع صورة المرسل ويمكن الرد عليها مباشرةً بشكل صوتي. وعرضت تطبيق صحيفة The New York Times الإخبارية الذي يقوم بإرسال الأخبار العاجلة مباشرةً إلى النظارة بشكل يتيح للمستخدم الاطلاع على عنوان الخبر وصورته، وفي حال اختار المستخدم معرفة التفاصيل، يقوم التطبيق بقراءة تفاصيل الخبر صوتيًا. كما تم عرض تطبيق الملاحظات الشهير Evernote وتطبيقه الشقيق Skitch والذي يسمح هنا بالتقاط صورة وحفظها ضمن Evernote ثم إرسالها إلى تطبيق Skitch (على الحاسب اللوحي) للتعديل عليها هناك. كما نشاهد تطبيق Path الذي يعرض صور الأصدقاء ويسمح بترك التعليقات عليها بشكل صوتي كذلك.
المواصفات العتادية
كما قلنا، تمتلك النظارة قطعًا داخلية مماثلة لتلك التي نجدها في الهواتف الذكية، وكانت غوغل قد كشفت قبل فترة عن المواصفات العتادية للنظارة وهي:
- الشكل: قاعدة أنفية قابلة للتعديل وإطار متين يلائم أي وجه. مع قاعدتين إضافيتين للأنف بحجمين مختلفين.
- العرض: شاشة عرض عالية الدقة تُعادل مشاهدة شاشة عالية التحديد بقياس 25 إنش من بعد ثمانية أقدام (حوالي 2.5 متر).
- الكاميرا: دقة الصور 5 ميغابيكسل. دقة الفيديو 720p
- الصوت: تقنية نقل الصوت من خلال اهتزازات يتم نقلها عبر عظام الجمجمة
- الاتصال: Wifi – 802.11b/g; Bluetooth
- التخزين: 16 غيغابايت من المساحة التخزينية، 12 غيغابايت منها قابلة للاستخدام والمزامنة مع خدمة غوغل السحابية
- البطارية: تكفي ليوم كامل من الاستخدام العادي. بعض الميزات مثل دردشة الفيديو Hangouts و تسجيل الفيديو تستهلك المزيد من الطاقة.
- الشاحن: تتضمن النظارة وصلة Micro USB مع شاحن.
- التوافق: متوافقة مع أي هاتف) يدعم البلوتوث. ويتطلب ربط الهاتف مع تطبيق MyGlass الذي يحتاج إلى نسخة أندرويد 4.0.3 (آيس كريم ساندوتش) وما فوق. يقوم My Glass بتفعيل الـ GPS والـ SMS لاستخدامها مع النظارة
كما طرحت غوغل في متجر غوغل بلاي تطبيق MyGlass والذي يتوجب على أصحاب النظارة تثبيته في هواتفهم لربط الهاتف مع النظارة التي لن تعمل دون الارتباط مع الهاتف الذي سيزودها بالكثير من المعلومات اللازمة لأداء عملها على أكمل وجه. يساعد التطبيق أصحاب النظارة على إعدادها وربطها مع حسابهم في غوغل.
الحصول عليها وموعد الطرح
لا تتوفر نظارة غوغل لعموم المستخدمين في الوقت الحالي. حيث طرحت غوغل نسخة خاصة بسعر 1500 دولار للمطورين الذين قاموا بحجزها خلال مؤتمر Google I/O 2012 الماضي، كما طرحت لاحقًا مسابقة للحصول على النظارة ضمن شروط معينة. حاليًا النظارة ما زالت في مرحلة التطوير ولم تصبح جاهزة بعد، لهذا تريد غوغل حصر استخدامها وتجربتها بالمطورين المهتمين فعلًا بتطويرها أو كتابة التطبيقات الخاصة بها. ورغم أن بعض الإشاعات السابقة ذكرت بأنها ستتوفر في الأسواق أواخر العام الحالي، إلا أن رئيس مجلس إدارة الشركة “إيريك شميدت” قال مؤخرًا بأنها تحتاج إلى عام آخر تقريبًا قبل أن تصبح جاهزة، مما يعني بأنه علينا الانتظار حتى العام 2014 للحصول عليها.
بالنسبة للسعر لا توجد أية معلومات بعد، تشير بعض التوقعات إلى أن سعرها النهائي سيكون مقاربًا لأسعار الهواتف الذكية، لكن لا شيء مؤكد حتى الآن.
المستقبل؟
الأسئلة كثيرة حول النظارة وفاعليتها، والناس ما بين متشكك ومتحمس. والسؤال الأهم هو: هل ستقدم استخدامًا عمليًا وسلسًا كما نتوقع منها؟ لا نستطيع أن نحكم قبل أن نرى إصدارها الاول ونقوم بتجربته. ما زالت تقنيات الواقع المُعزز وتمييز الصوت والتعرف إلى الصور تقنيات جديدة نسبيًا، وما زال أمامها درب طويل من التطور، لكننا بكل تأكيد نسير في هذا الاتجاه. ومثل هذه المنتجات ستنتقل بالتدريج كي تصبح شيئًا عاديًا في مستقبلنا نستخدمه بشكل يومي دون تفكير، تمامًا كما أصبحت الهواتف الذكية في أيامنا هذه.
أحدث التعليقات