الذكاء = إصطناعي، هي سلسلة من المقالات التي سأقوم من خلالها بكتابة بعض التحليلات والآراء المتعلقة بالنقلة الكبيرة التي نشهدها اليوم نحو تقنيات الذكاء الاصطناعي Artificial Intellegence. لا تمتلك هذه المقالات ترتيبًا معينًا، وهي ليست سلسلة لشرح مبادئ هذه التقنية (لكن قد نتطرق إلى هذا بشكل مختصر لاحقًا). هذه المقالات هدفها رصد هذا التحوّل الذي لم يلحظ البعض أهميته حتى الآن، ومتابعة تطوّراته على الساحة التقنية سواء من خلال جوجل أو غيرها من الشركات.
بالنسبة لاسم السلسلة الغريب، فلم أجد أفضل منه. لهذا من الأفضل أن نعتاد عليه!
الذكاء = إصطناعي
في مؤتمر جوجل للمطوّرين I/O 2017 الذي انعقد في أيار/مايو الماضي، قال “سوندار بيتشاي” المدير التنفيذي للشركة بأن جوجل قد أصبحت شركة “AI-First”، وهو نفس المُصطلح الذي كرره مرة أخرى قبل أيام قليلة في المؤتمر الذي تم الكشف فيه عن هاتفي Pixel 2 ومجموعة من الأجهزة الأخرى.
لكن ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟ وكيف سيُغير هذا من مُستقبل الشركة؟
AI-First؟
هل جوجل هو محرك بحث؟ شركة برمجيات؟ شركة تُنتج أنظمة التشغيل؟ شركة تصنع الهواتف المحمولة؟ أم ماذا بالضبط؟
في الحقيقة جوجل هي كل ذلك معًا، لكنها في ذات الوقت هي أكثر من ذلك بكثير، حيث يُعتبر جمع البيانات، الربط بينها، تحليلها، واستخراج نتائج مفيدة منها لتطويرها بشكل ذكي ومستمر هو ما ساعدها على التفوق وميزها عن المنافسين.
قبل سنوات وعندما أصبح من الواضح أن المُستقبل هو للأجهزة المحمولة، وعندما تجاوزت نسبة تصفح الإنترنت عبر الهواتف الذكية مثيلتها على أجهزة الكمبيوتر الشخصي، أعلنت جوجل أنها أصبحت شركة Mobile-First، وهو يعني أن جميع خدماتها ومنتجاتها أصبحت تُدرَس ويتم تطويرها لتقديم أفضل تجربة ممكنة على الهواتف المحمولة. وعند تفكير الشركة بطرح مُنتج جديد فإن طرحه يبدأ على الهاتف أولًا قبل أن يتم طرح نسخه منه على سطح المكتب، أو دون أن يتم حتى طرحه على سطح المكتب أساسًا.
لكن كان من الواضح في ذات الوقت تركيز الشركة الكبير على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، ومع التطور المتسارع للتقنية لم تعد الهواتف الذكية وحدها في المشهد، بل ظهرت لنا أجهزة (إنترنت الأشياء) Internet of Things وبدأنا نرى أجهزة متنوعة مُتّصلة كأجهزة التلفاز، السيارات، المصابيح، الغسالات، وتقريبًا كل جهاز آخر يمكن أن تتخيله.
تراجُع أهمية التطوّر العتادي
انتهى الزمن الذي كانت المنافسة فيه تدور حول من يستطيع صنع عتاد أكثر تقدمًا، حتى أن (المعارك) القديمة حول (من الأفضل: أندرويد أو iOS) لم تعد ذات قيمة فعلية حيث أن 80% من المستخدمين يستخدمون أنظمة التشغيل هذه كمنصات أو وسائل لتشغيل فيسبوك وواتساب وإنستاغرام وبريد جيميل وخرائط جوجل، وهناك من يستخدم شيئًا يُدعى Snapchat ما زلت لا أفهم ما الغرض منه بالضبط. لكن على أية حال الفكرة الرئيسية أن غالبية المستخدمين لا يهتمون فعلًا للفروقات الفعلية بين أنظمة التشغيل بحد ذاتها.
ومن الناحية العتادية فقد تقلصت الفوارق بين الأجهزة المختلفة بشكل كبير. الفارق بين الهواتف متوسطة المواصفات وأجهزة الفئة العُليا أصبح أقل مما مضى بكثير. حيّز المنافسة على تطور المواصفات العتادية ما بين أجهزة الفئة العليا أصبح صغيرًا جدًا.
بشكلٍ من الأشكال قل الاهتمام بالبحث عن أقوى المواصفات العتادية في الهواتف الذكية. على سبيل المثال يمكنني أن أتخيل بسهولة أن أتخلى عن هاتف Google Pixel لاستخدام هاتف متوسط من لينوفو دون أن أُلاحظ أي فارق (مُزعج) أو أي تغيير كبير. لقد أصبحنا نتحدث غالبًا عن الفارق بين 3 أو 4 غيغابايت من الذاكرة العشوائية، أو الفارق بين شاشة بدقة Full HD أو QHD.
شركات الهواتف أدركت بالطبع أن السوق قد وصل إلى مرحلة الإشباع، وبأن المنافسة لم تعد حول من يصنع الهاتف (الأقوى)، بس من يصنع الهاتف الأكثر فائدة، والأكثر تكاملًا من حيث العتاد والبرمجيات والخدمات الأخرى المُحيطة بها.
الذكاء الاصطناعي داخل الأجهزة، أهم من الأجهزة نفسها
لم يكن من الغريب في مؤتمر جوجل الأخير أنها أجلت الإعلان عن هاتفي Pixel 2 و Pixel 2 XL حتى نهاية المؤتمر رغم أن الكل كان يعتقد أنهما هدف المؤتمر وموضوعه الرئيسي. لكن اتضح أن الموضوع الرئيسي هو الذكاء الاصطناعي حيث بدأت الشركة بالكشف عن منتجاتها الذكية الأخرى من مكبرات صوت Google Home وسماعات Pixel Buds وغيرها من المنتجات التي تدعم مُساعد جوجل الذكي Google Assistant.
ما لفت نظري هو مُكبر الصوت Google Home Max، دعك من الخاصية المتوقعة وهي امتلاكه لمساعد جوجل بشكل مُدمج في داخله. ما كان مُلفتًا هو تضمينه ببعض الميزات الذكية الأخرى مثل قيامه بتعديل طريقة صدور الصوت وتعديل درجة ارتفاعه بحسب نوعية المحتوى الذي يستمع له المستخدم (برنامج إذاعي، موسيقى، مكالمة هاتفية، .. الخ)، كما يستطيع مكبر الصوت رفع وتخفيض الصوت تلقائيًا بحسب درجة الضجيج في المنزل، أو بحسب مكان تموضعه داخل الغرفة. مثل هذه الميزات، وجميعها تعتمد على الذكاء الاصطناعي تشير بأن الكلمة الأولى ستكون للشركات التي تمتلك الخبرة اللازمة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ودمجها في الأجهزة المختلفة.
أيضًا لا يمكن أن ننسى سماعات Pixel Buds التي تستطيع ترجمة الحوار بشكل فوري بين لغتين مختلفتين بسرعة عالية ودقة مُدهشة يتم تحسينها باستمرار.
بالمُختصر، يمكن القول أنه وفي الفترة القادمة فإن جودة وفائدة الأجهزة ستُقاس بالميزات الذكية التي تقدمها، وليس بمواصفاتها العتادية، ونحن هنا لا نتحدث عن الهواتف، بل عن السماعات والغسالات والبرادات ومكبرات الصوت وكاميرات المراقبة وغيرها.
شركة تضع الذكاء الاصطناعي أولًا AI-First كمُنطلق لها فيما تقدمه من برمجيات وأجهزة، هي شركة تُدرك ما تفعله جيدًا. وإن عجز الشركات المُصنّعة للأجهزة الإلكترونية المختلفة عن تبنّي هذا المفهوم في ما تصنعه قد يعني إما خروجها من السوق في المُستقبل، أو تبنّيها للتقنيات التي تقدمها شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى (جوجل، آمازون، … الخ) ودمجها في أجهزتها وهو ما بدأ يحدث بالفعل.
المصدر: الذكاء = إصطناعي (1): ما الذي يعنيه إعلان جوجل بأنها أصبحت شركة AI-First؟
أحدث التعليقات