X

في الطريق إلى الجيل الخامس – المعيار الأوّلي هنا أخيراً!

هذه هي المقالة السادسة ضمن سلسلة مقالات “في الطريق إلى الجيل الخامس” التي تهدف إلى شرح تدرّج تقنيات الاتصالات منذ الجيل الأول وصولًا إلى تقنيات الجيل الخامس المُستقبلية. في المقالين الأول والثاني مررنا بشكلٍ سريع على أجيال تقنيات الاتصالات، بدءًا من الجيل الأول وحتى الجيل الرابع، وتحدثنا في المقال الثالث عن أبرز تطبيقات الجيل الخامس والمتمثل في إنترنت الأشياء، وفي المقال الرابع تحدثنا عن طبقات نظام الاتصالات، وفي الخامس شرحنا مراحل ولادة جيل الاتصالات القادم.

مع قرب انتهاء العام الحالي بكلّ ما فاجأنا به من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية لم تكن سعيدة على الجميع، يبدو أنّ قطاع الاتصالات هو من المجالات القليلة التي تحمل لنا أخباراً جيّدة هذا العام.

في مدينة لشبونة البرتغالية انتهى يوم 20 كانون أول الاجتماع RAN#78 لهيئة معايير الاتصالات 3GPP المختصّة في تحديد المواصفات المرجعية لأنظمة الاتصالات المتنقّلة منذ تسعينيات القرن الفائت، هذا الاجتماع الذي صدر عنه المعيار الأساسي لشبكات الجيل الخامس من أنظمة الاتصالات المتنقّلة والمسمّىNew Radio (NR). حضر الاجتماع أكثر من مئتي مشارك من حوالي مئة شركة وجامعة وهيئة بحثية.

تحدّثنا في مقال سابق عن مراحل ولادة الجيل الجديد بدايةً من توصيف التطبيقات مروراً بتحديد المتطلبات ودراسة التقنيات وصولاً اليوم إلى إصدار المعيار الأساسي، وما يليه من مراحل التصنيع والتنفيذ والتجريب.

كانت التوقّعات تشير في الفترة الماضية إلى تأخّر حصول خطوة كهذه بسبب عدّة عوامل، أهمّها تخوّف المشغّلين من استعجال الجيل الجديد دون تحصيل العائد المرجو من الجيل الحاليLTE  والذي سبقه UMTS. يرافق ذلك تأخّر ظهور أبحاث أكاديمية ناضجة تمّ اختبارها عملياً في المختبرات وعلى أرض الواقع.

على الجانب الآخر كان لمصنّعي التقنية رأي آخر يضغط في الاتجاه المعاكس ويبرز ضرورة الإسراع بإصدار المعيار الأساسي للجيل الجديد، لكي يبدؤوا بتصنيع التجهيزات وبيعها وربط المشغلين بعقود شرائية وتشغيلية للسنوات القادمة. يضاف إلى ذلك سببٌ آخر لاستعجال الجيل الجديد وهو النمو غير المسبوق لاستخدام الشبكة والمتوقّع بلوغه 30 ضعفاً في العام 2020 مقارنةً بعام 2014 من ناحية كمّية البيانات، خاصة مع زيادة كثافة استخدام ملفّات الفيديو وتطبيقات الواقع الافتراضي وانتشار استخدام الاتصالات المتنقّلة في السيّارات، دوناً عن الانتشار المتوقّع لأجهزة انترنت الأشياء الذي سيضاعف عدد المستخدمين آلاف المرات. كلّ ما سبق سيتطلّب  سرعات تصل إلى عدة جيجابت وبزمن تأخير صغير جدّاً لا يتعدّى 1 ميلّي ثانية.

منذ عامين ظهر تحالف من مصنّعي التقنية تقوده بشكل رئيس شركة Qualcomm للضغط خلال اجتماعات3GPP  من أجل تسريع إصدار معيار النظام الجديد. بدأت Qualcomm تشكيل التحالف خلال ورشة عمل لشبكة الجيل الخامس في العام 2015 في أريزونا والتي حضرها أكثر من خمسمئة شركة وشهدت أكثر من سبعين عرض تقديمي. لمزيد عن هذه الورشة وملفاتها يمكن زيارة الصفحة: http://www.3gpp.org/news-events/3gpp-news/1734-ran_5g

استطاع تحالف المصنّعين بعد سنتين من النقاش، خلال الاجتماعات الدورية لـ 3GPP والتي تنعقد عادة كلّ ثلاثة أشهر، الوصول إلى حلّ وسط لإعطاء فرصة للمشغّلين لاستمرار تشغيل شبكات الجيلين الثالث والرابع الحاليين.

يتضمن الحل الصادر في هذا المعيار توصيف الشبكة الجديدة في نوعين أساسيين:

1- Non-Standalone (NSA) 5G NR: أي شبكة الجيل الخامس غير المستقلّة والتي ستستخدم القسم اللاسلكي Radio والقسم المركزي Core من نظام LTE كركيزة أساسية لتحقيق التغطية وإدارة التنقّلMobility management مع إضافة بعض التقنيات الجديدة واستخدام قنوات تردّدية خاصة للجيل الخامس تتضمن عدّة نطاقات. في القريب العاجل سيتمّ استغلال التردّد 6 GHz خاصة في المناطق ذات الكثافة العالية لزيادة السعة، ولاحقاً سيتمّ استخدام التردّدات الأعلى كالموجات الميلّميترية mmWave التي تبدأ من 24 GHz وصولاً إلى 300 GHz مروراً بـ 28 GHz، حيث أنفق المشغلون في الفترة الماضية ميليارات الدولارات لحجز النطاقات التردّدية المرشّح استخدامها في الجيل الخامس. من المخطّط أن يتم تطبيق ذلك النوع من الشبكات بداية العام 2019.

2- Standalone (SA) 5G NR: وهي الشبكة المستقلة، حيث سيتمّ تنفيذ مستويي التحكّم والمستخدم Control and user planes اعتماداً على شبكة مركزية مستقلة تمّ تسميتها5G next-generation core network architecture (5G NGC).

لم يتضمّن المعيار الذي أصدرته لشبونة تفاصيلاً وافرة عن هذه الشبكة إلّا الإشارة بأنه ستتحدّد مواصفاتها التقنية كجزء من الإصدار الخامس عشر Release15 خلال الاجتماع الدوري RAN#80 المزمع انعقاده في أمريكا الشمالية حزيران العام 2018.

يمكن الاطلاع على المخطّط الزمني المعتمد حالياً لتنفيذ الجيل الخامس في الشكل أدناه حيث سيبدأ من Release15 وصولاً إلى Release17 (المصدر: Qualcomm).

في العموم فإنّه من المؤكّد أنّ شبكة الجيل الخامس ستعني إشراك عدّة شبكات لاسلكية بأجيال وتقنيات مختلفة في شبكة كبرى فيما يسمّى الشبكات الهجينة Heterogeneous networks، وذلك سيحتاج بالطبع إلى متحكم مركزي يستطيع التواصل (قراءة التقارير وإصدار أوامر التحكّم) مع جميع هذه الشبكات وتخصيص مواردها اللاسلكيةRadio Resource Allocation بما يضمن فعّالية مثلى لكلّ الشبكات. مثل ذلك المتحكّم يتمّ العمل على تحقيقه في COHERENT، أحد مشاريع 5G-PPP والمموّل من المفوضية الأوروبية ضمن برنامج التطوير H2020. يمكن الاطلاع عليه من هنا: www.ict-coherent.eu.

بالإضافة للتفاصيل السابقة فقد حدّد المعيار الصادر مؤخّراً الإطار المشترك لعمل هذين النوعين خاصة وأنّهما سيتشاركان نفس المواصفات والتقنيات اللاسلكية الفيزيائية. من ضمن التقنيات الفيزيائية الجديدة التي تحدث عنها المعيار:

  • تقنية مصفوفات الهوائيات المكثّفة Massive MIMO وتوجيه حزم الإشعاع Antenna beam-forming
  • تقنية الحوامل الترددية المتعامدة الموسعة Scalable OFDM
  • خوارزميات ترميز قناة متقدمة
  • الموجات الميلّيمترية المذكورة أعلاه، وغير ذلك من التقنيات المهمّة التي سنستعرضها في مقالات قادمة.

خلاصة القول أنّه لا زال هناك الكثير من المراحل والعمل باتجاه تحقيق الجيل الجديد، إلاّ أن ما حدث في لشبونة يُعتبر خطوة هامة وتدلّ على جدّية هيئة المعايير 3GPP ومن ورائهم شركات تصنيع التقنية على تسريع إطلاق الجيل الخامس قبل العام 2020 بعد أن كثر الحديث عن تأجيل يصل إلى ما بعد 2022.

في المقال القادم سنتابع الحديث عن متطلّبات الجيل الخامس وشرح أهمّ التقنيات التي ستحقّق تلك المتطلّبات.

المصدر: في الطريق إلى الجيل الخامس – المعيار الأوّلي هنا أخيراً!

Leave a Comment