في الطريق إلى الجيل الخامس – أساسيّات 1

أخبار أندرويد التعليقات على في الطريق إلى الجيل الخامس – أساسيّات 1 مغلقة

0 (2)

هذه هي المقالة الثانية ضمن سلسلة مقالات “في الطريق إلى الجيل الخامس” التي تهدف إلى شرح تدرّج تقنيات الاتصالات منذ الجيل الأول وصولًا إلى تقنيات الجيل الخامس المُستقبلية. في المقال السابق مررنا بشكلٍ سريع على أجيال تقنيات الاتصالات، بدءًا من الجيل الأول وحتى الجيل الرابع. وسنقوم اليوم بشرح مُبسّط لبعض أساسيات نُظُم الاتصالات الخليوية.

1هذه السلسلة بقلم المهندس نضال أسامة ظريفة، أكاديمي في جامعة Duisburg-Essen الألمانية، متخصّص في علم الاتصالات النقّالة ويعمل كباحث علمي في مشاريع الاتحاد الأوروبي لأبحاث الجيل الخامس.

في الطريق إلى الجيل الخامس – أساسيّات 1

في المقال الثاني من سلسلة “في الطريق إلى الجيل الخامس”*، وقبل الدخول في آخر أبحاث الجيل الخامس سأقوم بشرح نظري مبسّط لأهم المفاهيم النظرية لنظام الاتصالات الخليوية. ما هي الموارد الفيزيائية للنظام؟ كيف لعدّة مستخدمين أن يدخلوا إلى شبكته؟  كيف يمكن للمستخدم أن يتكلّم ويستمع في نفس الوقت؟

الموارد الفيزيائية لنظام الاتصالات

تمتلك أنظمة الاتصالات الخليوية  أربعة موارد أساسية:

1- النطاق التردّدي Frequency band

يعتبر النطاق التردّدي للإشارة الراديوية مقاسأً بالميجا هرتز MHz أهم  مورد من موارد نظام الاتصالات وأكثرها تكلفة، حيث تُدفع مبالغ كبيرة للحصول على ترخيص استخدام نطاقات معينة، ممّا دعا الحكومات إلى القيام بمزادات علنية يشارك بها مشغّلو الشبكات والمستثمرون لحجز النطاقات التردّدية المطلوبة.

ليتمكّن القارئ من تقدير تكلفة ترخيص النطاق التردّدي يكفي أن نقول أنّه في بعض البلدان تقارب هذه التكلفة لوحدها مجموع التكاليف التشغيلية الأخرى كاملةً للمشغّل، ولهذا فإن الطيف التردّدي يعتبر ثروة طبيعية تحتسبها الحكومات الوطنية مع بقية الثروات الطبيعية الأخرى كالنفط والخامات كجزء من الدخل القومي، ويحرص المشغّل صاحب الترخيص على استثمار النطاق المرخّص بأعلى فعّالية ممكنة لتحقيق أقصى عائد ربحيّ منه.

2- الحيّز الزمني Time slot

نظراً للتكلفة المرتفعة للنطاق التردّدي يمكن تقسيم استخدام التردّد في الزمن، أي السماح باستخدام النطاق من عدة مستخدمين في أوقات متباينة.

3- الفضاء أو المسار الراديوي Space/Radio path

يمكن أيضاً تقسيم استخدام التردّد ضمن الفضاء أي ضمن مساحات ومناطق مختلفة. التطبيق الأوضح لذلك هو تقسيم مناطق التغطية إلى خلايا لكل منها تردّد مختلف وبالتالي يمكن لخليتين غير متجاورتين استخدام نفس النطاق التردّدي.

كما يمكن زيادة تقسيم الفضاء إلى قطّاعات باستخدام هوائيات موجّهة بزوايا معيّنة لزيادة إمكانية إعادة استخدام التردّدات في الخلايا بأقلّ تداخل Interference ممكن.

4- الاستطاعة Power (الرمز)

تمثّل الاستطاعة التي تحملها الإشارة الراديوية رابع الموارد الفيزيائية لنظام الاتصالات الخليوي، حيث يمكن تقسيمها بين المستخدمين المتصلين في نفس التردّد والزمن والفضاء بغية رفع فعّالية استخدام النطاق التردّدي. يتمّ تحقيق ذلك عن طريق توزيع رموز Codes خاصة للمستخدمين كما سيُشرح لاحقاً.

إذاً بوجود هذه الموارد الفيزيائية الأربعة يمكن لنظام الاتصالات أن يقوم بتزويد خدمة النفاذ المتعدد للمستخدمين مع ضمان أعلى فعّالية استخدام للنطاق التردّدي وذلك بتخصيص الموارد Resource allocation بطريقة فعّالة، ولكن كيف يتم تحقيق ذلك تقنياً؟

لفهم ذلك ليسمح لي القارئ أن أدعوه إلى حفل يحضره عدد كبير من الأشخاص، وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن لكل زوج منهم أن يقوم بالحديث (الاتصال) مع شريكه دون التشويش على (التداخل مع) أحاديث الأزواج البقية؟

هذا ممكن بأربع طرق هي:

1- تقنية النفاذ المتعدّد بتقسيم التردّدFrequency Division Multiple Access FDMA

يمكن بهذه الطريقة وضع كلّ زوج في غرفة، أي أن كل غرفة تحوي شخصين فقط يتحدّثان مع بعضهما كلّ الوقت وكيفما يريدان.

تقنياً يتمّ تقسيم النطاق التردّدي المرخّص إلى مجموعة قنوات التردّدية حيث يخصّص لكلّ اتصال قناة محدّدة مستقلّة عن باقي القنوات بحيث يمكن استخدامها من قبل المتّصل بشكل دائم.

FDMA

2– تقنية النفاذ المتعدّد بتقسيم الزمنTime Division Multiple Access TDMA

لكنّ، وكما ذُكر آنفاً، فإنّ حجز غرفة (قناة تردّدية) لكل زوج (اتصال) سيتطلّب كلفة ماديّة كبيرة لأنّنا سنحتاج إلى عدد كبير من الغرف (النطاقات التردّدية)، ولتفادي ذلك يمكن لعدّة أزواج أن يتشاركوا غرفة واحدة بحيث يتمّ تنظيم دور الكلام بينهم.

تقنيا ذلك يعني تقسيم الزمن بين المشتركين على نفس التردّد بحيث يستطيع المستخدم أن يرسل على القناة التردّدية لفترة قصيرة ثمّ يتوقّف ليفسح الدور لغيره من المشتركين، هذا التوقّف من رتبة الميللي ثانية msec (واحد على ألف جزء من الثانية) بحيث لا يشعر المتحدّث بهذا الانقطاع.

TDMA

3- تقنية النفاذ المتعدّد بتقسيم الفضاءSpace Division Multiple Access SDMA

لكنّ ذلك أيضاً لن يكون كافياً لخدمة أكبر عدد من المشتركين، كما أنّه يؤثر مباشرةً على السرعة التي يستطيع المستخدم أن يأخذها من الشبكة نتيجة التوقّف لانتظار دوره القادم.

لذلك لجأ الباحثون إلى تطوير تقنية جديدة تستطيع أن تحدد مسار الإشارة بين المتصل وشريكه بشكل يمنع التداخل مع الأزواج الأخرى. مثلا يمكن لكل زوج أن يلعب لعبة الكأسين والخيط ليتكلمان مع بعضهما في نفس الغرفة (التردّد) ونفس الوقت برفقة بقية الأزواج أو مثلاً أن يقف الأزواج بطريقة تتفادى التداخل كما في الشكل.

تقنيّاً عمل الباحثون على تطوير هوائيات موجّهة بدقّة لتحدّد حزمة الإشارة المرسلة إلى مستخدم ما، كما طوّروا تقنيات متقدّمة (هوائيات ذكية Smart Antenna) لملاحقة المستخدم المتحرّك لضمان وصول حزمة الإشارة إليه بشكل دائم. سنتحدث في مقال لاحق عن الهوائيات الذكية وتوجيه الحزم Beamforming والتي من المقرّر استخدامها في الجيل الخامس.

0 (1)

4- تقنية النفاذ المتعدّد بتقسيم الرمز Code Division Multiple Access CDMA

إذاً قبلت مشكوراً الدعوة لكنك دخلت متأخراً إليها لتجد أن الحفل يضم فيه مختلف الجنسيات، ضجيج عالٍ والجميع يتكلم في نفس الغرفة وبنفس الوقت، لكن أول ما سيلفت انتباهك ويميّزه سمعك هو من يتكلّم باللغة العربية. وبالطبع سيكون الأمر أفضل كذلك إذا كان هناك نوع من التنظيم لمستوى الأصوات بمختلف اللغات (طاقة كلّ صوت).

CDMA

تقنياً يمكن للمستخدمين أن يتّصلوا على نفس التردّد وبنفس الوقت طالما أنّ لكلّ منهم رمز (code) يميّزه ويميّز شريكه دوناً عن الآخرين، ولتحقيق ذلك يتمّ توليد رموز (سلسلة من البتات) متعامدة (أي التي حاصل ضرب كل زوج منها يساوي الصفر) واستخدامها في نقل البيانات لمختلف المستخدمين، إلا أنّه عملياً من الصعب تحقيق التعامد بشكل كامل، وبالتالي فإن حاصل ضرب رمزين لا يساوي الصفر إنّما يساوي كمّية طاقة صغرى تؤدّي إلى التداخل بين المستخدمين، ولهذا يعتمد هذا النظام على عملية تنظيم طاقة الرموز لتقليل التداخل المذكور قدر الإمكان.

تمّ استخدام هذه التقنية في أنظمة الجيل الثاني في أمريكا IS-95 و CDMA2000 كما ذكرنا في المقال السابق كما تم استخدامها في نظام الجيل الثالث UMTS.

إذاً هذه هي تقنيات النفاذ المتعدّد الأساسية، والتي من الممكن أيضاً أن تُستخدم بشكل مركّب لتحسين سعة النظام، وأدّت عمليات التهجين بين بعض التقنيات السابقة إلى اختراع تقنيات متقدمة للنفاذ المتعدّد، نذكر منها التقنية الثورية الأهمّ وهي OFDMA.

النفاذ المتعدّد باستخدام الحوامل التردّدية المتعامدة Orthogonal Frequency Division Multiple Access

في العام 1966 تم إصدار أوّل ورقة بحثية وبراءة اختراع لهذه التقنية من مختبرات بل Bell Labs، احتوت الورقة العلمية على الوصف الرياضي الكامل لهذه التقنية لكن الذي أعاق تنفيذها عمليّاً أنها تقنية رقمية (الثورة الرقمية بدأت نظريا في الخمسينيات من القرن الماضي لكنها لم تطبّق عملياً إلى منتصف الثمانينيات نتيجة الحاجة إلى بلوغ حد معين من تطور الدارات الالكترونية ومرشّحات الإشارة) احتاجت إلى عشرين سنة أخرى لكي تستطيع الظهور إلى العلن مع انتشار معالجات رقمية قادرة على تنفيذ عملياتها الحسابية المعقدة نسبيّاً (ساعد تطوير خوارزمية تحويل فورييه السريع FFT على تطبيق هذه التقنية تجاريّاً).

بالمبدأ تعتمد التقنية على تجزيء الإشارة المراد إرسالها إلى عدّة أجزاء كلّ منها يتم إرساله على قناة تردّدية ضيقة تسمّى حامل carrier بحيث يكون هذا الحامل متعامد مع الحوامل المجاورة على طرفيه. القصد من التعامد هنا أن الحامل يكون له قيمة عظمى حين يكون للحاملين المجاورين قيمة صفرية كما في الشكل.

OFDM

لهذه التقنية نموذج رياضي مهم جداً لكي يتمّ فهم خاصية التعامد بين الحوامل والتقنية بشكل عام، إلا أنّه يمكن للقارئ غير التخصّصي أن يكتفي بالشرح الفيزيائي أعلاه، لكن يكفي أن نعرف عموماً أن فوائد هذه التقنية كبيرة منها تقليص النطاق التردّدي الكلي المطلوب (تداخل الحوامل أصبح ممكناً نتيجة التعامد فيما بينها) وتقليل التداخل بين الإشارات وبين المستخدمين أيضاً وتقليل الآثار السلبية أثناء انتشار الإشارة في البيئة الراديوية كالخفوت وانتقائية التردّد.

في أواخر تسعينيات القرن الماضي اعتُمِدت تقنية OFDM لأوّل مرّة في البث الإذاعي والتلفزيوني الرقمي DAB و DVBوفي تقنية الاشتراك الرقمي ADSL، ثم في أنظمةWiFi و WiMax.

ترافق إثبات هذه التقنية لفعّاليتها في هذه الأنظمة مع بدء تطوير الجيل الرابع لأنظمة الاتصالات LTE ممّا شكّل إجماعاً كاملاً من قبل الهيئات العلمية على أن الجيل القادم سيكون قائماً على OFDM.

ازدواجية الاتصال Duplex communication

بقي السؤال الأخير في المقدّمة ” كيف يمكن للمستخدم أن يتكلّم ويستمع في نفس الوقت؟”

FD

حقيقةً حتّى سنوات قريبة، كان الباحثون يؤكّدون أنّه على نظام الاتصالات أن يفصل بين الإشارة المرسلة والإشارة المستقبلة  لكي يستطيع القيام بالعملين معاً ويتجنّب التداخل بينهما، خاصة أنّ طاقة الإشارة التي على الجهاز أن يستقبلها عادةً ما تكون أقلّ بمليارات الأضعاف من الإشارة التي يجب أن يرسلها. تخيّل نفسك تحاول سماع الهمس الآتي من شخص بعيد وفي نفس الوقت يجب عليك أن تصرخ بصوت مرتفع جدّاً.

يمكن عملياً أن نقوم بالفصل بين الإشارتين في المجال التردّدي أو الزمني:

1- الازدواجية بتقسيم التردّد FDD Frequency Division Duplex

تعني هذه التقنية أن الإرسال يتم على تردّد مختلف عن تردّد الاستقبال بفرق بين التردّدين تسمى المسافة التردّدية Duplex Distance. في هذه الطريقة يتم الإرسال والاستقبال بشكل دائم ودون توقف.

أهم الأنظمة التي استخدمت الازدواجية بتقسيم التردّد نظام الجيل الثاني GSM ونظام الجيل الثالث UMTS حيث تم تخصيص نطاق تردّدي للوصلة الصاعدة ونطاق تردّدي آخر للوصلة الهابطة.

2- الازدواجية بتقسيم الزمن TDD Time Division Duplex

في هذه التقنية يقوم الجهاز بالإرسال والاستقبال على نفس التردّد بتقسيم زمني بينهما، أي يرسل في حيز زمني ثم يتوقف ليستقبل في الحيز الزمني الثاني وهكذا، حيث لا يشعر المستخدم بهذه الانقطاعات السريعة.

في الجيل الرابع تم إصدار نظامين معياريين أحدهما يستخدم هذه التقنية LTE-TDD والآخر يستخدم تقنية تقسيم التردّد LTE-FDD.

لكلّ تقنية منهما محاسن ومساوئ من ناحية تعقيد الخوارزميات والدارات الالكترونية والأداء في ظروف الاتصال المختلفة لكن في الحالتين فإن النظام يؤمن اتصال باتجاهين Full Duplex، كما يمكن استخدام كليهما معاً أي أن يقوم النظام بالفصل بين إشارتي الاستقبال والإرسال في كلا المستويين الزمني والتردّدي، وذلك يقلّل من فعالية استخدام النطاق التردّدي إلا أنّه يجعل الدارات الالكترونية أبسط بكثير كما الحال في أجهزة الجيل الثانيGSM ، إضافة إلى أنّه يتيح للنظام تصغير المسافة التردّدية Duplex distance وهذا الأمر مرغوب جدّاً في أنظمة الراديو الإدراكيةCognitive Radio )والتي سنتحدث عنها في مقال لاحق لأهميتها كتقنية مستقبلية في الجيل الخامس).

الجدير بالذكر أن مصطلح „Full Duplex“ تم استخدامه تقليدياً للدلالة أنّ الاتصال له اتجاهين (بهذا المعنى فإن أنظمة الجيل الثاني والثالث والرابع بكلا إصداريه هي أنظمة Full Duplex حيث يكون الفصل بين إشارتي الإرسال والاستقبال في التردّد أو الزمن) إلّا أنّه في السنوات الأخيرة تمّ استخدام المصطلح ليحمل معنى أن النظام يرسل ويستقبل بنفس التردّد والزمن (بعض الأبحاث أطلقت عليه مصطلح أدقّ وهو In band Full Duplex أي أن اشارتي الاستقبال والإرسال يتشاركان نفس الحزمة التردّدية Band) وبهذا المعنى فإنّه حتّى اليوم لا يوجد نظام اتصالات عملي يعمل كنظام Full Duplex (نتيجة ما يسمّى التداخل الذاتي Self interference الذي لا نستطيع أن نلغيه بشكل كامل رغم كل التقدم التقني الهائل الذي وصلنا إليه، وسنشرح في مقال قادم عن هذه التقنية كونها من أهم التقنيات المرشّح استخدامها في الجيل الخامس).
0 (2)

خاتمة

آمل أنّ المقال قد حمل للقارئ بعض المتعة أثناء قرائته رغم أنه تحدّث عن مبادئ نظرية ربّما يجدها البعض جافة، لكنّ فهمها أساسي وجوهري في طريقنا نحو الجيل الخامس.

تمّ في هذا المقال تسليط الضوء على أهم المصطلحات والمبادئ الأساسية في نظام الاتصالات اللاسلكي، حيث عرفنا ما هي الموارد الفيزيائية الأساسية لنظام الاتصالات الخليوي وما هي تقنيات النفاذ المتعدد التي تستخدم لاستغلال هذه الموارد بشكل فعّال، كما تحدّث المقال عن تقنية الحوامل التردّدية المتعامدة والتي كانت خطوة ثورية في تقنيات النفاذ المتعدّد. وأخيراً عرض المقال مبدأ الازدواجية في الاتصالات وكيف يتم تحقيق ذلك.

في المقال القادم سنكمل بعض الأساسيات النظرية يلي ذلك مجموعة مقالات عن أهم التقنيات التي يتم بحثها الآن في المختبرات لاستخدامها في الجيل الخامس.

*ملاحظات لازمة قبل البدء

– هدف السلسة محاولة تدارك الفقر الشديد للانترنت بالمحتوى العربي التقني، فمن المحزن مثلاً أنّه لا يوجد حتى الآن في موسوعة ويكيبيديا صفحة عربية عن OFDM وهي أهم تقنية اعتمدتها الغالبية المطلقة من أنظمة الاتصالات منذ أواخر القرن الماضي وحتى اليوم.

– تتوجّه السلسلة بشكل رئيس إلى القارئ المهتم بالشؤون التقنية، وإلى طلّاب الهندسة في الاختصاصات التقنية المختلفة كتمهيد وشرح مبسّط لما يدرسونه مع ربط هذه المعلومات النظرية بصناعة الاتصالات وسوقها العالمية وأبحاثها المستجدّة، كما آمل أن تكون هذه المقالات كاستذكار لطيف وممتع للخرّيجين من أصحاب الاختصاص، إلا أنّها بالطبع لا يجب أن تثني طالب الجامعة عن تطوير مهارات اللغة الانجليزية للتعمّق في الاختصاص وملاحقة أحدث أبحاثه وتقنياته، بل وأشجّعه على الاستزادة من الانترنت عمّا أورده من تقنيات وأفكار ضمن المقال.

– أعتمد في غالبية المقالات التي أقوم بكتابتها على المعرفة المتراكمة التي أمتلكها نتيجة دراستي في هذا الاختصاص، أيّ بالعموم لا يوجد مراجع محدّدة أعتمد عليها أثناء الكتابة، وإن اعتمدت مستقبلاً على أيّ منها فالأمانة العلمية تحتّم الإشارة إليه.

– أنصح طلّاب هندسة الاتصالات والشبكات في الصفوف المتوسطة والعليا وكذلك المهندسين المختصّين والتقنيين المهتمّين بكتاب: “نظم الاتصالات الخلوية (أسس ومبادئ)”  للدكتور هشام عرودكي-2013، وهو كتاب أقلّ ما يقال عنه أنّه حتميّ في هذا المجال. شكّل الكتاب حين صدر طفرة حقيقية في المحتوى العربي لهندسة الاتصالات من ناحية المحتوى والشرح والأسلوب اللغوي، إضافة إلى الجهد العظيم الذي بذله مؤلّفه في تعريب المصطلحات التقنية حيث استفاد من عديد المصادر والهيئات، وبذلك استطاع الموازنة بين الترجمة الحرفية التي تسيء أحياناً للمعنى وبين الفهم الفيزيائي الذي يحمله المصطلح في أصله الانجليزي. وقد حرصتُ على استخدامي نفس الترجمة التي أوردها د. عرودكي في سلسلة المقالات هذه، كما حاولت اتباع منهجه في تعريب ما نقصني من مصطلحات لم ترد في كتابه.

المقال الأول: في الطريق إلى الجيل الخامس – تمهيد

في الطريق إلى الجيل الخامس

أخبار أندرويد التعليقات على في الطريق إلى الجيل الخامس مغلقة

الجيل الخامس

مقدّمة: هذه هي أوّل مقالة ضمن سلسلة مقالات سنقوم بنشرها خلال الأسابيع القادمة، تهدف إلى شرح مواضيع عديدة تتناول تقنيّات الاتّصالات بأسلوب سلس يُمكن إيصاله بسهولة إلى القارئ. لا بد أنه لديك فكرة عامّة عن ما هو الجيل الثالث أو الرابع، لكن ما الذي يعنيه هذا فعلًا؟ ماذا تعني بعض المُصطلحات التي تقرأها أحيانًا مثل HSPA و +HSPA. ما هو LTE وما هو LTE Advanced ومتى سننتقل من الجيل الرابع إلى الخامس؟ وما هي أبرز التطبيقات القادمة في عالم الاتصالات والتي ستُصبح متوفّرة لنا مع توفّر الجيل الخامس؟

سلسلة المقالات هذه تحاول الإجابة على كل هذه الأسئلة وأكثر من وجهة نظر تقنية نوعًا ما لكنها مُبسّطة قدر الإمكان. وسنبدأ بالحديث عن الجيل الخامس 5G وتسلسل طريق الوصول إليه بشكل مُختصر، ثم سنعود للحديث بتفصيلٍ أكبر عن كل مُصطلح أو كل تقنية من تقنيات الاتصالات التي سيمر بها هذا المقال.

1هذه السلسلة بقلم المهندس نضال أسامة ظريفة، أكاديمي في جامعة Duisburg-Essen الألمانية، متخصّص في علم الاتصالات النقّالة ويعمل كباحث علمي في مشاريع الاتحاد الأوروبي لأبحاث الجيل الخامس.

في الطريق إلى الجيل الخامس

لم يعد علم الاتصالات مقتصراً فقط على المختصّين به، بل أصبح من الضروري لجميع التقنيين والمهتمين بآخر المستجدّات في المجالات التقنية المختلفة معرفة الخطوط العريضة لهذا العلم والاطلاع على آخر آخباره وإنجازاته، وذلك نتيجة التقارب المستمر بين التقنيات الرقمية وتطبيقاتها العملية، ونتيجة التوظيف المباشر لها في مختلف قطاعات العمل، فمبرمج التطبيقات بحاجة ليعرف الخدمات التي ستقدمها الشبكة في الأعوام القادمة، وكذلك مدير النظم والشبكات، وخبير التسويق، والمصرفي، وحتى المستخدم العادي الذي يخطط لشراء هاتف في العام القادم، جميعهم بحاجة أن يعرفوا إلى أين تتجه الاتصالات وتقنياتها وأسواقها.

لهذا ستسير مجموعة المقالات هذه في خطين: الأول يتحدث عن مبادئ علم الاتصالات الخليوية ويستعرض أهم المفاهيم والأفكار الأساسية في ذلك، والثاني يتحدث عن أجيال أنظمة الهاتف الخليوي على أرض الواقع وآخر المستجدات المتعلقة بها.

مع بدء تطبيق الجيل الرابع للاتصالات LTE منذ العام 2011 بدأت أنظار الباحثين ترنو إلى الجيل الخامس، وبالطبع بدأت الاسئلة بالظهور كما هي العادة مع بدء تصميم جيل الاتصالات التالي. ما هي توصيات ومتطلبات requirements الجيل الخامس التي من المفترض أن يحقّقها؟ ما هي السرعات والخدمات التي يستطيع تقديمها؟ ما هي التقنيات المرشّح استخدامها في الجيل القادم لتصبح المتطلبات والخدمات المفترضة محققة على أرض الواقع؟ وأخيراً: متى؟

تشير التوقّعات والخطط الحالية لمراكز الأبحاث التقنية والهيئات المشاركة في تصميم الجيل الخامس وأبرزها NGMN أن الجيل الخامس سيرى النور حوالي العام 2020 يلي ذلك التحسينات العملية على النظام بعد تطبيقه تجاريا إلّا أن ذلك قد يتغيّر لأسباب سنسوقها ضمن هذا المقال.

ماذا قبل؟

من الضروري لنفهم الوضع المستقبلي لصناعة لاتصالات أن نفهم السوق الحالية والسابقة وكيف أصبحت هذه الصناعة من أهم العوامل المؤثرة بالبحث العلمي والاقتصاد -وحتى السياسة- إلى جانب مصادر الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى.

لهذا وقبل الاستفاضة في الجيل الخامس المفترض، نستعرض لمحة عن الأجيال السابقة له:

الجيل الأول:

بدأ الاستخدام التجاري لهذا الجيل من الأنظمة في أوائل ثمانينات القرن الماضي لتخديم المكالمات الصوتية حيث كانت الهواتف تماثلية Analogue، وبالتالي كانت فعالية استخدام الطيف الترددي منخفضة جدا بسبب ذلك. انتشر من هذا الجيل عدة أنظمة كـ NMT في الدول الاسكندافية وسويسرا وهولندا، وروسيا وأوروبا الشرقية، ونظام في أمريكا الشمالية، و في بريطانيا وألمانيا الغربية، وغيرها

صورة عن أجهزة الجيل الأول
صورة عن أجهزة الجيل الأول

الجيل الثاني:

هو التعبير الأشهر والأكثر انتشاراً في أوائل التسعينات حيث استخدمت أنظمة هذا الجيل التقنيات الرقمية مما جعل فعالية استخدام الطيف الترددي ترتفع بشكل كبير. ما يميّز هذا الجيل أنّه برز من أنظمته نظامين كلّ منها كان موحّد المعايير Standards عبر البلدان، ولكن اختلفت تقنياتهما الأساسية:

  1. نظام GSM: انتشر في كافة أنحاء العالم واعتمد مبدأ تقسيم الزمن في النفاذ المتعدد لخدمة المستخدمين TDMA Time Division Multiple Access ومبدأ النفاذ المتعدد بتقسيم التردد FDMA Frequency Division Multiple Access. انقسم هذا النظام إلى نوعين بحسب التردد المستخدم 900/1800 MHz في أوروبا وأفريقا وآسيا واستراليا، و 850/1900 MHz في بعض دول أمريكا الشمالية والجنوبية.
  2. نظام IS-95: انتشر في أمريكا الشمالية واستراليا والهند رغم وجود نظام GSM في بعضها. اعتمد مبدأ النفاذ المتعدد بتقسيم الرمز Code Division Multiple Access CDMA أي تمّ لكلّ مستخدم إعطاء رمز فريد ليستخلص من الاشارة المستقبلة الجزء الخاص به دوناً عن باقي المستخدمين. أطلق عليه أيضاً CDMAOne كونه أول نظام استخدم مبدأ تقسيم الرمز.

إضافة للنظامين السابقين كان هناك أنظمة محدودة أخرى كـ DAMPS في بعض مناطق أمريكا وPHS في اليابان.
ورغم تعدّد الأنظمة كان لمعظم أنظمة الجيل الثاني خصائص مشتركة أساسية وهي:

  •  اعتماد مبدأ الخلايا Cells في تصميم الشبكة مما جعل الاسم الأبرز من وجهة نظر المستخدم هو النظام الخليوي Cellular System حيث يمكن باستخدام هذا المبدأ إعادة استخدام الموارد Resource في الخلايا (الموارد أي الزمن أو التردد أو الرمز) لزيادة سعة الشبكة وتخديمها لعدد اكبر من المستخدمين.
  •  تحقيق مسار صاعد وهابط لتمكين المستخدم من الإرسال والاستقبال بشكل آليّ، ذلك يكون باستخدام تردد مختلف لكلّ مسار مثلاً.
  • إمكانية التجوال Roaming في النظام نفسه عبر البلدان المختلفة.
  • أتاحت التقنيات الرقمية تطبيق خوارزميات الترميز الرقمي للصوت واستخدام عمليات التشفير للأمان والخصوصية.

تم تطوير نظام GSM 2G إلى 2.5G حيث تمّ تقديم خدمة نقل البيانات والوصول للانترنت GPRS وتحسينها في الجيل 2.75G مع تقديم تقنية EDGE حيث ازدادت السرعة من 13kbps إلى 50kbps ثم أخيراً إلى 1Mbps نظرياً (حيث تعتبر جميع هذه الأرقام في الحالة المثلى وتنخفض عملياً بنسبة ملحوظة).
بعض البلدان أعلنت نيّتها توقيف شبكة الجيل الثاني كليّاً في موعد قريب، كأستراليا والولايات المتحدة في 2016، وسنغافورة في 2017، في حين أعلنت سويسرا أنّ موعد إيقافه هو مطلع العقد القادم.

مناطق توزع أنظمة الجيل الثاني GSM
مناطق توزع أنظمة الجيل الثاني GSM

الجيل الثالث:

أدّى النجاح الكبير لأنظمة الجيل الثاني إلى الرغبة في تصميم نظام عالمي موحد للاتصالات بدلاً من مجموعة الانظمة المختلفة في الجيل الثاني، لذلك تم تشكيل هيئة في أوروبا باسم 3GPP كانت نتيجتها نظام UMTS الأشهر والأكثر انتشاراً حالياً، إضافة لهيئة أخرى في أمريكا 3GPP2 أنتجت نظام CDMA2000 إلا أنّ الأخير لم يلق نجاحاً كون الجيل الرابع اللاحق قد انطلق بشكل أساسي في تطويره وتنفيذه على نظام UMTS بعد أن ضغطت الهيئات الأوروبية والآسيوية باتجاه ذلك.

في نظام UMTS تمّ دمج التقنيات الأهمّ لمجموعة أنظمة الجيل الثاني واعتمد تقسيم الرمزعريض الحزمة WCDMA Wideband كتقنية أساسية للنفاذ المتعدد مع توسعتها بتقسيم التردد والزمن لزيادة سعة الشبكة.

أدّى تطوير الجيل الثالث 3G في عدة إصدارات 5-6-7 إلى تقديم تقنية HSPA و +HSPA اللتين تقدمان سرعات أعلى وتم استخدام الاسمين 3.5G و 3.75G للتسويق لهذه التحسينات لتزداد السرعة من 2Mbps إلى 14Mbps وصولاً إلى 56Mbps نظرياً.

الجيل الرابع:
استمرّ العمل بغية تطوير نظام موحّد بشكل كلّي قادر على تحقيق سرعات أعلى وتوفير خدمات أكثر تقدّماً، فأوصت 3GPP في العام 2008 بمتطلبات الإصدار الثامن Release8 من أنظمة الهاتف المحمول وباعتماد تقنية ثورية جديدة وهي OFDM Orthogonal Frequency-Division Multiplexing أي النفاذ بتقسيم الحوامل الترددية المتعامدة.

سمّي هذا النظام بـ LTE Long Term Evolution أي التطوّر طويل الأمد للدلالة على أنّ تطوير الجيل الرابع سيستمرّ طويلاً لتحقيق سرعات تبدأ من 300Mbps مروراً بـ 1Gbps في الإصدار العاشرة Release10 والذي سمّي LTE Advanced وصولاً إلى 3.3Gbps في التوصيات المبدأية التي أصدرتها 3GPP حديثاً في أيلول 2015 ضمن الإصدار الثالث عشر Release13، والذي من المفترض أن تكتمل تحسيناته من الناحية النظرية خلال النصف الأول من هذا العام.

Map_Global_LTE-Advanced_commercial_network_launches_210715
تطبيق الجيل الرابع في العالم (تجارياً أو تجريبياً). البرتقالي بالإصدار Advanced 10، والأخضر بالإصدار 8 (المصدر GSA)

ماذا بعد؟

من المتوقّع أن نرى LTE Advanced Releas 13 تجارياً خلال العام القادم إلّا أن التقدم المتسارع للبحث العلمي المحكوم بقانون مور الأسّي لا يعطي مزوّدات الخدمة الوقت الكافي لدراسة وتجريب وتخطيط وتنفيذ كافة الإصدارات الجديدة ومن ثمّ دخول السوق لتحصيل الربح المرجوّ منها خلال سنوات التشغيل. يظهر ذلك بشكل أوضح الآن في بعض الدول النامية حيث يحاول مشغّلو الاتصالات القفز من إصدارهم القديم إلى إصدار مستقبلي ما مباشرةً، لتفادي كلفة شراء وتنفيذ أيّ إصدارات أخرى بينهما، طالما أنّ المستخدم قد يبقى قانعاً بشكل جزئي بالخدمات الحالية خلال الأعوام القادمة. يترافق ذلك مع إطلاق أسماء تسويقة توحي باستخدام تقنيات جديدة للجيل الرابع لجذب المستخدم كما في تركيا ومصر ودول أخرى، وقد يتمّ تنفيذه بشكل محدود في بعض المناطق الرئيسة داخل العواصم والمراكز التجارية بانتظار تحقيق خطط الجيل الخامس في 2020.

التسارع التقني المذكور قد يضع الجيل الخامس في أيدينا قبل مطلع العقد القادم، إلا أنّه يبقى هناك سيناريو محتمل آخر وهو تأخّر -أو تأخير- الجيل الخامس عن موعد ظهوره في 2020 لعامين أو ثلاثة إضافية في حال نجح المستثمرون في الدول التي طبّقت LTE -وهي الأغلبية- بتأجيله بغية تحقيق الأرباح المرجوّة من الجيل الرابع بكافة إصداراته، ممّا سيدفع باقي الدول للإسراع في تنفيذ الجيل الرابع عوضاً عن الانتظار، ذلك الأمر الذي سيحسم خلال الأشهر القليلة القادمة.

في المقال التالي إن شاء الله سنرسم لمحة عن الجيل الخامس وأبحاثه الجارية حالياً وتقنياته الأبرز.

أندرويد للعرب © 2024 WP Theme & Icons by N.Design Studio | تعريب قياسي
التدويناتRSS | التعليقاتRSS | تسجيل الدخول