X

عن الحرب الباردة بين جوجل وفيسبوك

مُقدّمة

منذ اليوم الأوّل للشبكة العنكبوتية، تتنافس الشركات في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من المُستخدمين. لأن مزيدًا من المُستخدمين، يعني مزيدًا من المحتوى المُشاهد، ومزيدًا من الضغطات على الإعلانات. هذه المُنافسة يتخللها تعاونات وتحالفات، ومن ثم خلافات وصدامات، في سبيل كسب أكبر قدر ممكن من الجمهور، وتحقيق أعلى دخل ممكن.

ما يدور في كواليس الصدامات بين شركات التكنولوجيا العملاقة قد لا يكون واضحًا للمُستخدم العادي، لكن قد يكون من المُثير أحيانًا معرفة خفايا ما يدور، ومُراقبة التأثيرات المُحتملة لنتائج تلك الخلافات أو التحالفات.

خلال الأعوام الفائتة، شاهدنا كيف استفادت الشركات من بعضها البعض، واستعانت ببعضها لتحقيق النجاحات المُشتركة، ثم كيف قامت بين ليلةٍ وضُحاها بالاستغناء عن الشريك بل وإلحاق الضرر به في بعض الأحيان.

على سبيل المثال، عندما لاحظت جوجل قبل أكثر من ثماني سنوات بأن مُعظم عمليات البحث في مُحرّكها تأتي من مُتصفح مايكروسوفت “إنترنت إكسبلورر”، بدأت الشركة تشعر بالخطر: ماذا لو حسّنت مايكروسوفت من مُحرّك بحثها المُثبت بشكل افتراضي على مُتصفحها واسع الانتشار وتمكنت تدريجيًا من اقتطاع حصّة مُحرك جوجل؟ قد يؤدي هذا بجوجل إلى خسارة الملايين، لهذا أصدرت مُتصفح “كروم” الذي يمنحها سيطرة أفضل على سوق الويب بشكلٍ عام، ونجحت الشركة في ذلك بشكلٍ كبير إلى درجة رُبما لم تتوقعها جوجل نفسها، إذ لم يكتفِ كروم بتحقيق النجاح بين المُستخدمين، بل ابتلع حصةً ضخمةً من سوق المُتصفحات مما أدى إلى تراجع كبير في حصة “إنترنت إكسبلورر” ما زالت مايكروسوفت تحاول التعافي منه حتى اليوم.

وفي هذا الصدد لا ننسى أيضًا الحديث عن أواصر الصداقة المتينة التي جمعت جوجل وآبل ما قبل إصدار أندرويد. كانت خدمات جوجل كالبحث والخرائط متوفرةً بشكلٍ افتراضي في هواتف الآيفون، وكان يبدو أننا أمام تكامل مثالي ورائع ما بين هواتف آبل وخدمات جوجل. إلى أن وجدت الأخيرة بأن البحث بدأ ينتقل رويدًا رويدًا من سطح المكتب إلى الهاتف، ولهذا لا بد عليها من السيطرة على سوق الهواتف للحفاظ على المُستخدمين فأصدرت أندرويد مما أغضب آبل إلى درجة أن مديرها الراحل ستيف جوبز قال أنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة مُحاولًا تدمير أندرويد، ووجد أن آبل بدورها اعتمدت أكثر من اللازم على خدمات جوجل، لهذا سارعت  شركته وعلى عُجالة بإصدار تطبيق خرائطها الخاص الذي كانت نسخته الأولى مُثيرة للشفقة، وما زال حتى الآن قاصرًا بشكلٍ كبير مُقارنةً بخرائط جوجل.

لكن ماذا عن جوجل وفيسبوك؟

جميعنا يعرف تفاصيل الحرب المثيرة ما بين جوجل وآبل فهي لم تخفَ على أحد خلال الأعوام القليلة الماضية. لكن إنسَ جوجل وآبل فهذا أصبح خبرًا قديمًا. الآن هُناك حرب باردة وحذرة، تدور رحاها ما بين جوجل وفيسبوك على محوَرين.

المحور الأوّل لن نستفيض به هنا، وهو المُنافسة على سوق الإعلانات، حيث تُشير الدراسات الأخيرة بأن فيسبوك بدأت تسحب البساط شيئًا فشيئًا من تحت جوجل من حيث اكتشاف المحتوى. فبعد أن كان المُستخدمون في الماضي يلجأون إلى جوجل للحصول على المحتوى، بات جزء كبير من المُستخدمين يحصل على المحتوى الخاص به من خلال فيسبوك، إذ يقضي ملايين المُستخدمين جُل وقتهم يوميًا على فيسبوك الذي بات بالنسبة للكثيرين المصدر الأول للحصول على الأخبار.

المحور الثاني من الحرب الباردة بين الشركتين، يدور على أرض الأندرويد نفسها، وإحدى نتائج هذه الحرب قد يكون بمُغادرة فيسبوك لمتجر بلاي والاستغناء عن خدمات جوجل، وطرح فيسبوك لخدمات بديلة خاصة بها، وهذا ما سنوضحه في الفقرات القادمة.

لماذا تخاف فيسبوك من جوجل؟

هل ترى كُل هذه الإشعارات التي تصلك يوميًا في تطبيق فيسبوك على أندرويد؟ لإيصال هذه الإشعارات لك، تستعين فيسبوك بخدمة مُقدّمة من جوجل للمطورين مجانًا تُدعى Google Cloud Messaging، وباختصار فإن هذه الخدمة تهدف إلى إيصال الإشعارات إلى هواتف المُستخدمين بشكل فوري. بنفس الطريقة تقوم التطبيقات الإخبارية بإرسال الأخبار العاجلة إلى شريط التنبيهات لديك، أو تقوم الألعاب بتذكيرك للدخول إلى اللعبة والاعتناء بجيشك قبل أن يُجهز عليه الأعداء.

خدمة Google Cloud Messaging هي خدمة هائلة، توفّر على المطوّرين الكثير والكثير من الجهد والتكاليف. وهي مجانية. ما المُشكلة إذًا؟ تخشى فيسبوك أن تبدأ جوجل بفرض تكاليف على استخدام هذه الخدمة، ومهما كانت هذه التكاليف بسيطة، فعندما تتحدث عن تطبيق مثل فيسبوك يوصل لمُستخدميه مليارات الإشعارات يوميًا، فهذا قد يضع تكاليف ضخمة على فيسبوك، وهو ما تخشاه الشركة بشدة إلى درجة أنها بدأت التفكير بحلول بديلة.

الأمر ليس مُتعلقًا بخدمة الإشعارات فقط، بل كذلك بخدمة خرائط جوجل، حيث يقوم فيسبوك باستدعاء الواجهات البرمجية لخرائط جوجل (أو ما يُعرف بـ API Calls) في كل مرة يتصفح فيها المُستخدم خريطةً داخل فيسبوك. هذه أيضًا ما زالت مجانية على مطوري أندرويد حتى هذه اللحظة، لكن لا شيء يمنع جوجل من تغيير ذلك فجأةً وفي أي وقت.

المُشكلة لا تتعلق فقط بتطبيق فيسبوك الأساسي فقط، بل تمتلك الشركة إضافةً إليه ثلاثةً من أكثر التطبيقات تحميلًا عبر متجر بلاي، وهي تطبيق المسنجر، وواتساب، وإنستاغرام. تعتمد جميعها على خدمة واحدة على الأقل من خدمات جوجل.

الخطّة الاحتياطية

وفقًا لتقارير أخيرة، فإن فيسبوك لديها خطة احتياطية تعمل على اختبارها منذ سنوات، وهي الخروج من متجر بلاي كُليًا، أي أن تطبيقات فيسبوك قد لا تتوفر في متجر أندرويد الرسمي، وستتم إتاحتها عبر قنوات أخرى. كما أنه سيتوجب على الشركة إنشاء بدائل خاصة بها لخدمات جوجل التي تعتمد عليها حاليًا.

لهذا قرأنا في تسريبات أخيرة، بأن فيسبوك قامت بالتسبب عمدًا بأعطال ضمن تطبيقها على أندرويد بهدف اختبار ولاء مُستخدمي أندرويد لفيسبوك، ومعرفة فيما إذا كان المُستخدمون سيلجأون إلى وسائل أُخرى للحصول على التطبيق في حال عدم توفره على أندرويد. وتُشير المعلومات بأن تجربة فيسبوك حققت نجاحًا كبيرًا، حيث لجأ مُستخدمو أندرويد الذين لم يتمكنوا من تصفح التطبيق (نتيجةً للخطأ المقصود الذي افتعلته فيسبوك)، قاموا بفتح فيسبوك ضمن المُتصفح، أي أنهم لم يتخلوا عن استخدام فيسبوك بأي حالٍ من الأحوال.

بعض التوقعات تُشير بأن فيسبوك قد تودّع متجر بلاي، وستلجأ لعقد اتفاقيات مع الشركات المُصنّعة للهواتف من أجل تثبيت التطبيق بشكل افتراضي، كما قد تلجأ إلى طرح التطبيق عبر متاجر بديلة للتطبيقات.

مُشكلة أُخرى لفيسبوك، تُدعى بالمارشميلّو

المارشميلو Marshmallow هو الاسم الرمزي لنسخة أندرويد 6.0 الأخيرة، والتي طرحت فيها جوجل ميزةً تُدعى Doze تؤدي إلى توفير كبير في استهلاك بطارية الهاتف. جزء كبير من هذا التوفير يتم من خلال الطريقة الجديدة التي طرحتها جوجل للتعامل مع الإشعارات، لأن الوصول المتكرر للإشعارات يؤدي إلى استهلاك البطارية بشكل أكبر. لهذا وفّرت جوجل للمطورين طريقةً لتعريف أنواع الإشعارات الخاصة بكل تطبيق، على أنها إشعارات عالية الأهمية، أو مُنخفضة الأهمية. بالنسبة للإشعارات عالية الأهمية ستصل فورًا إلى الهاتف، أما بالنسبة للإشعارات مُنخفضة الأهمية فسيتم إيصالها ضمن فترات مُنفصلة على دفعات. والذي يتولّى إدارة كل ذلك هي خدمة Google Cloud Messaging بالطبع.

لكن ماذا لو قام المطوّر بتعريف جميع إشعارات تطبيقه على أنها “عالية الأهمية”؟ لو لاحظت جوجل بأن تطبيقًا مُعينًا يُرسل كمية ضخمة من الإشعارات “عالية الأهمية”، ستعتبر ذلك إساءةً للاستخدام، وستقوم خدمة Cloud Messaging تلقائيًا بحجز هذه الإشعارات مؤقتًا ثم إرسالها لاحقًا دفعةً واحدةً، وهذا أمر آخر لا تُريده فيسبوك لأنه قد يؤدي إلى تقليل نسبة تفاعل المُستخدمين مع فيسبوك.

والأمر ليس سهلًا

قد يعتقد البعض بأن تغريد فيسبوك خارج سرب جوجل هو ليس بالأمر الصعب على شركة بحجم فيسبوك، فهي قادرة على إنشاء خدماتها البديلة. ورغم أن هذا صحيح، لكن الشركة لا تستطيع أن تضمن ما يُمكن أن يحدث في حال دخل المُستخدم الجديد إلى متجر بلاي لتحميل تطبيق “إنستاغرام” مثلا (المكان المتوقع للعثور فيه على التطبيق)، ولم يعثر عليه! ولو توصلت الشركة إلى اتفاقية مع الشركات المُصنعة لأجهزة أندرويد لتضمين جميع تطبيقاتها بشكل افتراضي، كم ستدفع لهذه الشركات؟ أم هل يتوجب على فيسبوك إنشاء متجر تطبيقات خاص بها لطرح تطبيقاتها سواء الحالية أم الجديدة القادمة؟ كي ستتمكن الشركة من إخبار جميع مُستخدمي أندرويد بالمتجر؟ هل ستضمن قيامهم بتثبيت المتجر على أجهزتهم وبطريقة غير قياسية (عبر ملف apk؟). كل هذه الخيارات ليست مثالية لفيسبوك. قد يبدو الأمر بسيطًا لك (أن تحصل على التطبيق من متجر خارجي أو أن تقوم بتثبيته بصيغة apk)، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لفيسبوك، فهي عندما تُريد الوصول لأكثر من مليار مُستخدم على أندرويد، في تُريد عمل ذلك بطريقة سهلة ومُباشرة وفعالة تضمن أن أي مُستخدمٍ مهما كان وأينما كان يستطيع تثبيت تطبيقاتها بضغطة زر واحدة، وإلا فهي قد تكون مُهددة بخسارة ملايين المُستخدمين.

ناهيك عن موضوع التطبيقات، ما هو بديل فيسبوك بالنسبة للخرائط؟ هل ستلجأ إلى مايكروسوفت أو نوكيا؟ كم ستدفع لهذه الشركات؟ هل ستقوم بإنشاء خدمتها الخاصة؟ هذا يبدو جهدًا غير منطقي.

لا تنسَ أن فيسبوك اختبرت قبل فترة ليست بالبعيدة فكرة إنشاء هاتف خاص بها يحمل جميع تطبيقاتها ويُقدم خدماتها بشكل افتراضي لكن الفكرة فشلت فشلًا ذريعًا. هذا يعني أن الاسم الكبير لفيسبوك لا يضمن وحده نجاحها خارج إطار جوجل، أو بشكل أكثر دقة، خارج إطار أندرويد المحكوم بجوجل.

لو قررت جوجل فرض رسومٍ على خدماتها الموجهة للمطورين، كخدمة Cloud Messaging، ستقع فيسبوك في مأزق كبير، لكنها تستعد لهذا السيناريو جيدًا. لم تكن العلاقة ما بين الشركتين مثالية في أي يومٍ من الأيام، لكن فيسبوك تحرص حاليًا على علاقة طيبة مع جوجل قدر الإمكان تفاديًا (لشرّها) كما يُقال، رغم أن الأخيرة تنظر بكثيرٍ من التوجّس بالفعل إلى الصعود الصاروخي لمنصة فيسبوك الإعلانية، المنصة الإعلانية الوحيدة التي بدأت مُنافسة إعلانات جوجل ندًا لند، في أوّل خطر حقيقي تواجهه منصة جوجل الإعلانية منذ إنشائها.

 

Leave a Comment