إن كنت قد تابعت الأخبار خلال اليومين الماضيين، فلا بد أنك قرأت شيئًا عن الخلاف الكبير بين آبل والشرطة الفيدرالية الأمريكية FBI التي تطلب من آبل تزويدها بطريقة للدخول إلى هاتف آيفون مُشفّر كان مع “سيّد فاروق” مُنفذ عملية إطلاق نار راح ضحيتها 14 شخصًا في مدينة “سان بيرناردينو” الأمريكية أواخر العام الماضي.
تيم كوك -المدير التنفيذي لآبل- رفض طلب الإف بي آي بقوة، ودعمه اليوم المُدير التنفيذي لجوجل (سوندار بيتشاي) في تصريحات أدلى بها عبر تويتر. فما هي أهمية هذه القضية ولماذا تقف جوجل مع آبل، ولماذا من المتوقع أن تتخذ الشركات الأُخرى موقفًا مُشابهًا من دعم آبل؟
القضية هي أن مُنفذ عملية إطلاق النار، والداعم لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والذي تم قتله على أرض العملية حمل معه أثناء تنفيذ العملية هاتف آيفون مُشفّر، لم تتمكن الإف بي آي من الوصول إلى المعلومات المُخزنة فيه، حيث ترى الشرطة أنها قد تجد فيه ما يُساعدها في معرفة المزيد من ارتباطات مُنفذ العملية.
وعلى عكس ما يعتقد مُحبو نظرية المؤامرة، فإن الإف بي آي لا تمتلك “بوابة خلفية” تستطيع النفاذ منها إلى الهواتف المشفرة سواء كنا نتحدث عن آيفون أو عن أندرويد، خاصة أن مفاتيح التشفير مُخزنة على الهاتف نفسه أي حتى آبل وجوجل لا تمتلكان طريقة لعكس تشفير هاتف مُشفر لأنهما ببساطة لا تمتلكان نسخة عن مفاتيح التشفير.
الطريقة الوحيدة كي تتمكن الإف بي آي من الدخول إلى هاتف الآيفون المُشفر هي مُحاولة اكتشاف كلمة المرور الخاصة به (التي لا تعرفها آبل أيضًا) عبر تنفيذ ما يُعرف بهجوم القوة العمياء Brute-force attack أي إخضاع الهاتف إلى برمجية تقوم بتجربة ملايين احتمالات كلمات المرور حتى معرفة الكلمة المطلوبة. المشكلة التي تواجهها الإف بي آي هي ميزة في هواتف آيفون تقوم بإعادة تهيئة الهاتف وحذف جميع المعلومات في حال تم إدخال كلمة مرور خاطئة 10 مرات.
ما تطلبه الإف بي آي من آبل هو تزويدها ببرمجية تقوم بتعطيل هذه الميزة في الهاتف، كي تتمكن من تجربة عدد غير محدود من كلمات المرور حتى تتمكن من الوصول إلى الرمز الصحيح. وقد لجأت الإف بي آي إلى المحكمة لإجبار آبل على ذلك وهو ما زالت ترفضه الشركة بقوة.
لماذا ترفض آبل مُساعدة الإف بي آي رغم أن هذا قد يُساعد في الكشف عن أسرار خطيرة قد تتضمن الوصول إلى شبكات إرهابية تُخطط للقيام بالمزيد من العمليات؟ تعتقد آبل ويتفق معها الكثيرون، بأنها لو رضخت فسيُصبح لدى الإف بي آي بوابة خلفية تتيح لها الوصول بسهولة إلى أي هاتف مُستقبلًا حتى لو كان هذا مرتبطًا بقضايا بسيطة جدًا لا علاقة لها بالإرهاب، مما سيضُر بسمعة آبل كشركة تحترم خصوصية المُستخدمين وتُحافظ عليها ضمن كل الظروف.
جوجل تقف مع آبل في هذه القضية، لأنه وفي حال تمرير مثل هذه الحكم القضائي فهذا قد يعني صدور قانون يُجبر جميع الشركات الأخرى، سواء كانت جوجل أو مايكروسوفت أو غيرها بوضع ثغرات في أنظمة التشغيل الخاصة بها تتيح للجهات القانونية انتهاك خصوصية مُستخدمي الهواتف الذكية.
الأسوأ، هو أن مثل هذا القانون سيفتح الباب لدول أُخرى للطلب من الشركات منحها بوابات خلفية للتجسس على مُستخدمي الهواتف الذكية، هذا يتضمن دولًا دكتاتورية كالصين وروسيا وإيران والدول العربية، وحينها قد يصبح الأمر أسوأ بكثير.
حاليًا، يصطف المدافعون عن خصوصية المُستخدم من أفراد ومنظمات إلى جانب آبل في معركتها مع الإف بي آي، في حين ترى الحكومة الأمريكية بأن التضحية بشيء من الخصوصية أمر ضروري لمحاربة الجريمة والإرهاب في سبيل الحفاظ على الأمن القومي.
هل ترى أنه يتوجب على الشركات الانصياع لمثل هذه الطلبات الحكومية في سبيل الأمن القومي؟ أم أن هذا سيفتح الباب للمزيد من خرق خصوصية المُستخدمين كي نتحول تدريجيًا إلى عالم لا خصوصية فيه لأي أحد؟ دعنا نعرف رأيك ضمن التعليقات.
Leave a Comment