في وقت لم تعد فيه القضايا القانونية العالقة بين شركات التكنولوجيا أمراً مستغرباً، وفي وقت نرى فيه مئات الدعاوى القضائية بين عشرات الشركات في قارات العالم الخمس، وفي وقت يمتلك فيه أندرويد نصيباً لا بأس به في هذه المعركة، إلا أن معركة غوغل وأوراكل تختلف كل الاختلاف عن جميع تلك القضايا المذكورة لعدة أسباب سترد لاحقاً.
أوراكل كانت قد ادعت على غوغل في العام 2010 واتهمتها باستخدام واجهات جافا البرمجية API بشكل غير قانوني في أندرويد، واتهمتها في ذلك الحين بانتهاك سبع براءات اختراع تعود إليها وطالبتها بدفع 6.1 مليار دولار. لكن بعد معركة قضائية طويلة أسقط القاضي خمس براءات اختراع مُعتبراً بأن غوغل لا تنتهكها. لحسن حظ غوغل بقيت براءتين فقط هما موضع الجدل، تسعى أوراكل للحصول على 1 مليار دولار من غوغل لقاء ترخيصهما.
1 مليار أفضل من 6 مليار، وحينها حث القاضي الشركتين على توصل إلى تسوية وحل الأمر بعيداً عن ساحات المحاكم. لكن غوغل رفضت دفع المليار وقررت المضي قُدماً في المحاكمة لأنها لا تعتبر بأن استخدامها للواجهات البرمجية المذكورة فيه أي انتهاك لأوراكل. واعتبر محامي غوغل بأن أوراكل تتهم الشركة بالانتهاك لمجرد أنها تفعل ما يقول وصف الواجهات البرمجية بأنها تفعله. بمعنى أن غوغل لا تفعل أكثر من استخدام الواجهات البرمجية التي تتيح أوراكل استخدامها للجميع.
يصف البعض هذه المحاكمة بالدراما الحقيقية، فهي تحتوي مواداً وتفاصيل جديرة بالمسلسلات القانونية التلفزيونية، فالأبطال هما من أصحاب المليارات، ومحاميهم من أعرق وأشهر المحامين في الولايات المتحدة، وستكون المحاكمة ذاخرة بالخبراء التقنيين الذين سيدلون بشهاداتهم، ناهيك عن أن المحكمة علنية وقد تضطر الشركات إلى الإدلاء بتفاصيل مالية حساسة قد تؤثر على أسهمها. على سبيل المثال لا تكشف غوغل معلومات مالية حول الأرباح التي تحققها من أندرويد، لكنها قد تضطر إلى ذلك في معرض دفاعها عن نظام التشغيل.
أبطال هذه الدراما يحملان إسم “لاري”، الأول هو لاري إيليسون المدير التنفيذي لأوراكل، والثاني هو لاري بيج المدير التنفيذي لغوغل.
إيليسون بدأ حياته المهنية البارزة عندما صمم قاعدة البيانات لجهاز المخابرات الأمريكية CIA وبعدها أسس أوراكل التي يديرها منذ 35 عاماً، وقد أنفق إيليسون المليارات خلال السنوات العشر الأخيرة على شراء الشركات وبناء حصة سوق ضخمة في قطاع الأعمال والشركات. إن من يصفون “ستيف جوبز” بالدكتاتور في شركته وفي السوق، يقولون بأن دكتاتورية جوبز هي شيء لا يُذكر أمام قبضة لاري إيليسون الحديدية وسطوته العارمة.
النجم الثاني في المحاكمة هو لاري بيج، وهو أصغر من إيليسون بـ 29 عام! بيج هو Geek حقيقي، أسس غوغل التي ما زالت تعمل بروح الشركات الناشئة Startups حتى الآن، لديه اندفاع حول تطوير واختراع الأشياء لمجرد المتعة والاكتشاف فقط، لهذا ترى أن سياسة غوغل هي الاختراع ثم طرح المنتج في السوق قبل أن يكتمل، إن نجح المنتج يستمر تطويره (مثل أندرويد وجيميل)، إن فشل يتم إغلاقه (مثل Google Wave)، بينما تعتمد آبل وأوراكل على دراسة السوق أولاً بشكل مُرهق وتعتبر أن عملها هو “بزنس” قبل أي شيء. لهذا لم تكن لدى بيج الخبرة الكافية لإدارة الشركة رغم أنه مؤسسها، لهذا اعتمد على “إيريك شميدت” لفترة طويلة قبل أن يستلم منصبه كمدير تنفيذي للشركة العام الماضي.
البطلان سيتاقبلان وجهاً لوجه، لكن هل يستطيع الـ Geek الذي لا يفكر إلا بالنظارات القادمة من المستقبل وبتجاربه الغامضة في مختبرات Google X السرية التغلب على رجل الأعمال ذو القوة الكاسحة الذي لا يفكر إلا بالحصول على المزيد من النقود؟
لحسن الحظ، لاري ليس وحيداً بل معه فريق متميز من المحامين، فالمحامي الرئيسي في القضية Robert Van Nest خاض تجارب قانونية سابقة مع إنتل وخاض معركة HTC وآبل، ولديه خبرة ممتازة في قضايا شركات وادي السيليكون.
لكن إيليسون يمتلك أيضاً أحد نجوم المحاماة في الولايات المتحدة، David Boies الذي دافع عن مرشح الرئاسة الأمريكي “آل غور” ضد جور بوش سابقاً، وهو الذي هزم مايكروسوفت ذات مرة في قضية احتكار، وغير ذلك من قصص النجاح.
حتى الشهود في هذه القضية هم من أبطال وادي السيليكون، إذ سيتقدم James Gosling مخترع الجافا نفسها للإدلاء بشهادته، وأندي روبن مبتكر نظام أندرويد وصاحب الفضل في أنك في هذا الموقع تقرأ هذه السطور الآن، ناهيك عن إيريك شميدت المدير التنفيذي السابق لغوغل الذي تولى في فترة من الفترات إدارة شركة Sun قبل انتقاله إلى غوغل.
كما ذكرنا لكم، ستظهر الكثير من التفاصيل المثيرة في هذه المحاكمة، سنتابعها معكم أولاً بأول. غوغل تمتلك فرصة جيدة للربح، لكن خسارتها قد تؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها قد تؤثر سلباً على أندرويد نفسه، وهذا ما لا نتمناه بالطبع.
Leave a Comment